فصل: ذكر غزاة أنشأها إلى الكرك:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية (نسخة منقحة)



.ذكر غزاة أنشأها إلى الكرك:

ثم إنه أقام بدمشق إلى ثالث رجب سنة تسع وسبعين وخرج مراراً نحو الكرك وكان قد سير إلى الملك العادل وهو بمصر يتقدم إليه بالاجتماع به على الكرك فبلغه خبر حركته من مصر فخرج للقائه وسار حتى أتى الكرك ووافاه الملك العادل عليها وقد خرج معه خلق عظيم من تاجر وغير تاجر وذلك في رابع شعبان من هذه السنة وكان قد بلغ الإفرنج خبر خروجه فساروا براجلهم وفارسهم نحو الكرك للدفع عنه ولما انتهى ذلك إليه سير الملك المظفر تقي الدين إلى مصر وذلك في خامس عشر شعبان وفي السادس عشر منه نزلت الإفرنج على الكرك وتزحزح السلطان عنه بعد أن قاتله قتالاً عظيماً وعليه قتل شرف الدين برغش النور شهيداً.

.ذكر إعطائه أخاه الملك العادل حلب:

ثم رحل السلطان مستصحباً أخاه الملك العادل معه إلى دمشق لا يلسه عن الكرك بعد نزول الإفرنج عليها فدخل دمشق في الرابع والعشرين من شعبان وأعطى أخاه الملك العادل حلب بعد مقامه بدمشق إلى ثاني يوم من شهر رمضان وكان بها ولده الملك الظاهر ومعه سيف الدين يازكج يدبر أمره وابن العميد في البلد وكان الملك الظاهر من أحب الأولاد إلى قلبه لما خصه الله به من الشهامة والفطنة والعقل وحسن السمت والشغف بالملك وظهور ذلك كله وكان أبر الناس بوالده وأطوعهم له ولكن أخذ منه حلب لمصلحة رآها فخرج من حلب لما دخل الملك العادل هو ويازكج سائرين إلى خدمة السلطان فدفع دمشق الثامن عشر من شوال فأقام في خدمة أبيه لا يظهر له إلا الطاعة والانقياد مع انكسار في باطنه لا يخفى عن نظر والده وفي ذلك الشهر وردنا على السلطان رسلا من جانب الموصل وكنا قد توسلنا إلى الخليفة الناصر لدين الله في إنفاذ شيخ الشيوخ بدر الدين رسولاً وشعيعاً إلى السلطان فسيره معنا من بغداد وكان غزير المروءة عظيم الحرمة في دولة الخليفة وفي سائر البلاد وكانت مكانته عند السلطان بحيث يتردد إليه إذا كان عنده في معظم الأيام.

.ذكر وصولنا إلى خدمة رسلا:

وكان الشيخ قد وصل إلى الموصل وسار منها في صحبة القاضي محيي الدين بن كمال الدين وكان بينهم صحبة من الصبا وكنت مع القوم وسرنا حتى أتينا دمشق وخرج السلطان إلى لقاء الشيخ ونحن في خدمته فلقيه عن بعد وكان دخولنا إلى دمشق يوم السبت حادي عشر ذي القعدة من هذه السنة ولقينا من السلطان كل جميل فيما يرجع إلى الإكرام والاحترام وأقمنا أياماً نراجع في فصل حال فلم يتفق صلح في تلك الوقعة وخرجنا راجعين إلى الموصل وخرج السلطان إلى وداع الشيخ إلى القصر واجتهد في ذلك اليوم أن ينقضي شغل فلم يتفق وكان الوقوف من جانب محيي الدين فإن السلطان اشترط أن يكون صاحب إربل والجزيرة على خيرتهما في الانتماء إليه أو إلى الموصل فقال محيي الدين لا بد من ذكرهما في النسخة فوقف الحال وكان مسيرنا سابع ذي الحجة وفي تلك الدفعة ثبت في نفسه الشريفة مني أمر لم أعرفه إلا بعد خدمتي له وأقام السلطان بدمشق ترد عليه الرسل من الجوانب فوصل رسول سنجر شاه صاحب الجزيرة فاستحتفه لنفسه في الانتماء إليه ورسول إربل وحلف لهما وسارا ووصل إليه أخوه الملك العادل رابع ذي الحجة فأقام عنده وعيد وتوجه إلى حلب المحروسة.

.ذكر غزواة أخرى إلى الكرك:

وصل ابن قره أرسلان نور الدين إلى حلب ثامن عشر صفر سنة ثمانين فأكرمه الملك العادل إكراماً عظيماً وأصعده إلى القلعة وباسطه ورحل معه طالباً دمشق في السادس والعشرين منه. وكان السلطان قد مرض أياماً ثم شفاه الله، ولما بلغه وصول قره أرسلان خرج إلى لقائه وكان السلطان يكارم الناس مكارمة عظيمة فالتقاه على عين الجسر بالبقاع وذلك في تاسع ربيع الأول ثم عاد إلى دمشق وخلف نور الدين واصلاً مع الملك العادل فتأهب للغزاة وخرج مبرزاً إلى جسر الخشب في منتصف ربيع الأول وفي الرابع والعشرين منه وصل الملك العادل ومعه ابن قره أرسلان إلى دمشق فأقاما فيها أياماً ثم رحلا يلتحقان بالسلطان من رأس الماء طالباً للكرك فأقام قريباً منها أياماً ينتظر وصول الملك المظفر من مصر إلى تاسع عشر ربيع الآخر فوصل إلى خدمته ومعه بيت الملك العادل وخزانته فسيرهم إلى الملك العادل وتقدم إليه وإلى بقية العساكر بالوصول إليه إلى الكرك فتتابعت العساكر إلى خدمته حتى أحدقوا بالكرك وذلك في رابع جمادى الأولى وركب المناجيق على المكان وقد التقت العساكر المصرية والشامية والجزرية أيضاً مع قره أرسلان، ولما بلغ الإفرنج ذلك خرجوا براجلهم وفارسهم إلى الذب عن الكرك وكان على المسلمين منه ضرر عظيم فإنه كان يقطع عن قصد مصر بحيث كانت القوافل لا يمكنها الخروج إلا مع العساكر الجمة الغفيرة فاهتم السلطان بأمره ليكون الطريق سابلة إلى مصر. ولما بلغ السلطان خروج الإفرنج تعبأ للقاء وأمر العساكر أن خرجت ظاهر الكرك وسير الثقل نحو البلاد وبقي العسكر جريدة ثم سار السلطان ينصد للعدو. وكان الإفرنج قد نزلوا بموضع يقال له الواله وسار حتى نزل على قرية يقال لها حسبان قبالة الإفرنج ورحل منها إلى موضع يقال له ماء عين والإفرنج مقيمون بالواله إلى السادس والعشرين من جمادى الأولى ثم رحلوا قاصدين الكرك فسار بعض العساكر وراءهم فقاتلهم إلى آخر النهار ولما رأى قدس الله روحه تصميم الإفرنج على الكرك أمر العساكر أن دخلوا الساحل لخلوه عن العساكر فهجموا نابلس ونهبوها وغنموا ما فيها ولم يبق فيها إلا حصناها وأخذوا جانين والتحقوا بالسلطان برأس الماء وقد نهبوا وأسروا وحرقوا وخربوا واتفق دخول السلطان دمشق يوم السبت سابع جمادى الآخرى ومعه الملك العادل ونور الدين ابن قره أرسلان فرحاً مسروراً وأكرمه واحترمه وأحسن إليه. وفي هذا الشهر وصل رسول الخليفة ومعه الخلع فلبسها السلطان وألبس أخاه الملك العادل وابن أسد الدين خلفاً جاءت لهم وفي الرابع عشر من هذا الشهر خلع السلطان خلعة الخليفة على ابن قره أرسلان وأعطاه دستوراً وأعطاه للعساكر وفي ذلك التاريخ وصلت رسل ابن زين الدين مستصرخاً إلى السلطان يخبر أن عسكر الموصل وعسكر قزل نزلوا مع مجاهد الدين قايماز وأنهم نهبوا وأحرقوا وأنه نصر عليهم وكسرهم.

.ذكر خروج السلطان إلى جهة الموصل في الوقعة الثانية:

ولما سمع السلطان ذلك رحل من دمشق يطلب البلاد وتقدم إلى العساكر فتبعته وسار حتى أتى حران على طريق البيرة والتقى مع مظفر الدين بالبيرة في الثاني عشر من محرم سنة إحدى وثمانين وتقدم السلطان إلى سيف الدين المشطوب أن يسير في مقدمة العسكر إلى رأس العين ووصل السلطان حران الثاني والعشرين من صفر. وفي السادس والعشرين منه قبض على مظفر الدين بن زين الدين لشيء كان قد جرى منه وحديث كان بلغه رسول فلم يقف عليه وأنكره فأخذ منه قلعة حران والرها ثم أقام في الاعتقال تأديباً إلى مستهل ربيع الأول ثم خلع عليه وطيب قلبه وأعاد إليه قلعة حران وبلاده التي كانت بيده إلى قانونه في الإكرام والاحترام ولم يتخلف له سوى قلعة الرها ووعده بها ثم رحل السلطان ثاني ربيع الأول إلى رأس العين ووصله في ذلك رسول قليج أرسلان يخبره أن ملوك الشرق بأسرهم قد اتفقت كلمتهم على قصد السلطان إن لم يعد عن الموصل وماردين وأنهم على عزم ضرب المصاف معه إن أصر على ذلك فرحل السلطان يطلب دنيسر فوصله ثامن ربيع الأول عماد الدين بن قره أرسلان ومعه عسكر نور الدين صاحب ماردين فالتقاهم واحترمهم ثم رحل من دنيسر حادي عشر نحو الموصل حتى نزل موضعاً يعرف بالإسماعيلان قريب الموصل يصل من العسكر كل يوم نوبة جديدة يحاصر الموصل فبلغ عماد الدين بن قره أرسلان موت أخيه نور الدين فطلب من السلطان دستوراً طمعاً في ملك أخيه فأعطاه دستوراً.

.ذكر موت شاه أرمن صاحب خلاط:

ولما كان ربيع الآخر سنة إحدى وثمانين توفي شاه أرمن صاحب خلاط وولي بعده غلامه بكتمر وهو الذي وصل رسولاً إلى خدمة السلطان بسنجار فعدل وأحسن إلى أهل خلاط وكان متصوناً في طريقته فأطاعه الناس ومالوا إليه، ولما ملك خلاط امتدت نحوه الأطماع لموت شاه أرمن فسار نحوه بهلوان بن الدكز. فلما بلغه ذلك سير إلى خدمة السلطان من يقرر معه تسليم خلاط إليه واندراجه في جملته وإعطائه ما يرضيه فطمع السلطان في خلاط وارتحل عن الموصل متوجهاً نحوها وسير إلى بكتمر الفقيه عيسى وغرس الدين قليج لتقرير القاعدة وتحريرها فوصلت الرسل وبهلوان قد قارب البلاد جداً فتخوف بهلوان من السلطان فطلب بهلوان إصلاحه وزوجه ابنة له وولاه وأعاد البلاد إليه واعتذر إلى رسل السلطان وعادوا من غير زبدة، وكان السلطان قد نزل على ميا فارقين فحاصرها وقاتلها قتالاً ونصب عليها مجانيق وكان بها رجل يقال له الأسد وما قصر في حفظها لكن الأقدار لا تغلب فملكها السلطان في التاسع والعشرين من جمادى، ولما أيس من أمر خلاط عاد إلى الموصل فنزل بعيداً عنها وهي الوقعة الثالثة بموضع يقال له كفر زمار وكان الحر شديداً فأقام مدة. وفي هذه المنزلة أتاه سنجر شاه من الجزيرة واجتمع به فأعاده إلى بلده ومرض رحمه الله بكفر زمار مرضاً شديداً خاف من غائلته فرحل طالباً حران وهو مريض وكان يتجلد ولا يركب محفة فوصل وهو شديد المرض وبلغ إلى غاية الضعف وأيس منه ورجف بموته فوصل إليه أخوه من حلب ومعه أطباؤه.

.ذكر صلح المواصلة معه:

وكان سبب ذلك أن عز الدين أتابك صاحب الموصل سيرني إلى الخليفة يستنجد فلم يحصل منه زبدة فلما وصلت من بغداد ورددت جواب الرسالة أيس من نجدة فلما بلغهم مرض السلطان رأوا بذلك فرصة وعلموا سرعة انقياده ورقة قلبه في ذلك الوقت فندبوني لهذا الأمر وبهاء الدين الربيب وفوض إلي أمر النسخة التي حلف بها وقالوا امضيا ما يصل إليه جهدكما وطاقتكما فسرنا حتى أتينا العسكر والناس كلهم آيسون من السلطان وكان وصولنا في أوائل ذي الحجة فاحترمنا احتراماً عظيماً وجلس لنا وكان أول جلوسه من مرضه وحلف في يوم عرفة وأخذنا منه بين النهرين وكان أخذها من سنجر شاه فأعطاها المواصلة وحلفته يميناً تامة وحلفت أخاه الملك العادل ومات قدس الله روحه وهو على ذلك الصلح لم يتغير عنه وسرنا معه وهو بحران وقد تماثل ووصله خبر موت ابن أسد الدين صاحب حمص وكانت وفاته يوم عرفة وجلس الملك العادل للعزاء، وفي تلك الأيام كانت وقعة التركمان مع الأكراد وقتل بينهم خلق عظيم، وفي هذا الشهر وصل خبر وفاة بهلوان ابن الدكز وكانت وفاته في سلخ ذي الحجة.